ما اعظمك ياوطني /بقلم عمر بنحيدي
قصة قصيرة بعنوان : ما أعظمك يا وطني!
من كان يظن أن سي المعطي سيصير شحاذا؟ لو لم ألتقه و أحاوره لما صدقت. فأنا أعرفه جيدا. وأعرف ابنيه . كانا زميلين لي بالمدرسة الابتدائية. وخاصة ابنه البكر النوري. لنا نفس العمر.، أكثر من ذلك كنا بنفس الفصل. وكان يمتاز عني بقوته الجسمية ، فقد كان يدافع عني ضد بعض أشرار الفصل. وبالمقابل كنت أشرح له التمارين الرياضية و أساعده على فهم بعض الدروس .
شاءت الصدف أن ترحل عائلتي إلى حي آخر في الجهة الأخرى للمدينة. وهكذا انقطعت الصلة بيننا منذ كنا في المستوى السادس إلى اليوم أي حوالي ثلاثين سنة. وهي مدة كافية لأن تتغير سحناتنا وننسي بعضنا . ننسى بعضنا؟ هل هذا صحيح؟ لا أعتقد. فعلي الأقل أنا اليوم تذكرته، بمجرد أن استوقفني عجوز يطلب صدقة. لم تخني الذاكرة. تفرستُ في الوجه الملتحي ذي العينين الذابلتين اللتين تحرسهما حواجب كثيفة. أما لباسه فهو عبارة عن الأسمال العفنة . لكن ما شدني أكثر هو الأنف المعقوف كمنقار أحد الجوارح. وفعلا أذكره لما كان في عز شبابه لا يعير أحداً أي اهتمام فقد كان سليط اللسان سريع اليد. كم مرة، حكى لي ابنه أنه حرمه من المبيت لخطإ بسيط، أو عاقبه بحرمانه من الأكل يومين متواليين . وحتى زوجته لا تسلم من رعونته. باختصار كان الأب الطاغية. هذا كل ما أعرفه عنه. ماذا حصل له؟ وكيف تغير حاله؟ الجواب سيحكيه بنفسه.
_با المعطي هذا؟ . رفع إلى عينين شبه منطفئتين. ثم استند على عصاه وبصوت مبحوح هو أيضا شبه منطفئ. : شكون أنت ؟ ياك ما شفار؟ ألقاها في وجهي ثم رفع عصاه يهم بإنزالها على رأسي.. لكنني تفاديتُ الضربة. و أنا أصيح. في أدنه. أنا الكبير كنت ُ صديق ابنك النوري... و ما إن سمع اسمه حتى ازداد انفعاله واستعد من جديد ليهوي على بعكازته.. تحفزتُ لاتقاء الضربة و أنا أصرخ فيه : الرجوع لله أبّٓا المعطي. محاولا تهدئته. و قد نجحت بعد جهد جهيد أن أكسب ثقته.
جلسنا في مقهى قريب، و كان النادل يود طرده لحالته الرثة والمتسخة و لكني منعته من ذلك.
وبعد أن استأنس بوجودي، فاضت دموعه و هو يحكي قصته مع أبنائه.
« غدر بي الزمان والأهل و الأحباب. و ألقوا بي في الشارع. كان هذا منذ حوالي عشر سنوات. حين مرضت و لزمت الفراش، فتوقفت الشركة توقف كل شيء كل شيء. “ وبدأ ينتحب كالطفل بسبب الانفعال، وفي هذه اللحظة وضع النادل المشروبات أمامنا وهو يستغرب من حالة رجل، سيحكي لي فيما بعد أنه لأول مرة سيراه على هذه الحال ، فمنذ أن عرفه و هو يسب ويشتم كل الناس... أما كيف تغيرت حاله ، فقد قال : « أقعدني المرض، و صرتُ عاجزا عن تسيير الشركة. أقنعتني زوجتي بأن أوكلها هي والأبناء لينوبوا عني في كل المعاملات التجارية و الإدارية. و بمجرد أن وقعت الوكالة انقلب الوضع رأسا على عقب. لا أحد يهتم. لحالي. فهم يتناولون الأكل و أنا أتلوى من الجوع أمامهم و لا أحد منهم يعطيني و لو لقمة. ولما بدأت أتعافى و أسترجع قوتي لاحظت أن الجميع صار يتجنبني، بل يتهامسون فيما بينهم بأسرار لا أعلم حول ماذا.. وفي أحد أيام الأحد استدرجوني حتى خرجت لأتمشي جنب البحر قليلا. وحين عدت وجدت قفل الباب قد تغير. بل هناك ساكن جديد. أما أسرتي فقد رحلت إلى أين؟ لست ادري.. علمت من أحد أفراد عائلة زوجتي أنهم طاروا إلى إيطاليا بعدما باعوا كل شيء الشركة و الفيلا مفروشة ».
حاولت تفسير ما حصل لهذا الرجل الذي خانه أقرب الناس إليه، ولكن هول الصدمة شل تفكيري... ووردتني بعض ذكريات الطفولة حين كان النوري يحكي لي معاناة كل الأسرة مع جبروت هذا الأب المحطم . وتذكرت قول الله سبحانه وتعالى مخاطبا رسولنا عليه أفضل الصلاة والسلام :« ولو كنت فظا غليظا لانفظوا من حولك. » صدق الله العظيم..
كان قد مر على هذا اللقاء حوالي شهرين،. وبدات نفسيتي تتعافي من مخلفاته. و إذا بي أصادف على شبكة التواصل الإجتماعي عائلة، تعرفت فيها على النوري و أخيه، وهما بستنجدان بالسلطات لمساعدتهما على العودة إلى أرض الوطن. و انقادهم من الجائحة التى تعصف بالعالم..
فقلت في نفسي : ما أطيبك يا وطني و ما أعظمك!. لا تتخلى عن أبنائك و لو تخلوا عنك.
انتهت.
عمر بنحيدي 2020 /3/31.
من كان يظن أن سي المعطي سيصير شحاذا؟ لو لم ألتقه و أحاوره لما صدقت. فأنا أعرفه جيدا. وأعرف ابنيه . كانا زميلين لي بالمدرسة الابتدائية. وخاصة ابنه البكر النوري. لنا نفس العمر.، أكثر من ذلك كنا بنفس الفصل. وكان يمتاز عني بقوته الجسمية ، فقد كان يدافع عني ضد بعض أشرار الفصل. وبالمقابل كنت أشرح له التمارين الرياضية و أساعده على فهم بعض الدروس .
شاءت الصدف أن ترحل عائلتي إلى حي آخر في الجهة الأخرى للمدينة. وهكذا انقطعت الصلة بيننا منذ كنا في المستوى السادس إلى اليوم أي حوالي ثلاثين سنة. وهي مدة كافية لأن تتغير سحناتنا وننسي بعضنا . ننسى بعضنا؟ هل هذا صحيح؟ لا أعتقد. فعلي الأقل أنا اليوم تذكرته، بمجرد أن استوقفني عجوز يطلب صدقة. لم تخني الذاكرة. تفرستُ في الوجه الملتحي ذي العينين الذابلتين اللتين تحرسهما حواجب كثيفة. أما لباسه فهو عبارة عن الأسمال العفنة . لكن ما شدني أكثر هو الأنف المعقوف كمنقار أحد الجوارح. وفعلا أذكره لما كان في عز شبابه لا يعير أحداً أي اهتمام فقد كان سليط اللسان سريع اليد. كم مرة، حكى لي ابنه أنه حرمه من المبيت لخطإ بسيط، أو عاقبه بحرمانه من الأكل يومين متواليين . وحتى زوجته لا تسلم من رعونته. باختصار كان الأب الطاغية. هذا كل ما أعرفه عنه. ماذا حصل له؟ وكيف تغير حاله؟ الجواب سيحكيه بنفسه.
_با المعطي هذا؟ . رفع إلى عينين شبه منطفئتين. ثم استند على عصاه وبصوت مبحوح هو أيضا شبه منطفئ. : شكون أنت ؟ ياك ما شفار؟ ألقاها في وجهي ثم رفع عصاه يهم بإنزالها على رأسي.. لكنني تفاديتُ الضربة. و أنا أصيح. في أدنه. أنا الكبير كنت ُ صديق ابنك النوري... و ما إن سمع اسمه حتى ازداد انفعاله واستعد من جديد ليهوي على بعكازته.. تحفزتُ لاتقاء الضربة و أنا أصرخ فيه : الرجوع لله أبّٓا المعطي. محاولا تهدئته. و قد نجحت بعد جهد جهيد أن أكسب ثقته.
جلسنا في مقهى قريب، و كان النادل يود طرده لحالته الرثة والمتسخة و لكني منعته من ذلك.
وبعد أن استأنس بوجودي، فاضت دموعه و هو يحكي قصته مع أبنائه.
« غدر بي الزمان والأهل و الأحباب. و ألقوا بي في الشارع. كان هذا منذ حوالي عشر سنوات. حين مرضت و لزمت الفراش، فتوقفت الشركة توقف كل شيء كل شيء. “ وبدأ ينتحب كالطفل بسبب الانفعال، وفي هذه اللحظة وضع النادل المشروبات أمامنا وهو يستغرب من حالة رجل، سيحكي لي فيما بعد أنه لأول مرة سيراه على هذه الحال ، فمنذ أن عرفه و هو يسب ويشتم كل الناس... أما كيف تغيرت حاله ، فقد قال : « أقعدني المرض، و صرتُ عاجزا عن تسيير الشركة. أقنعتني زوجتي بأن أوكلها هي والأبناء لينوبوا عني في كل المعاملات التجارية و الإدارية. و بمجرد أن وقعت الوكالة انقلب الوضع رأسا على عقب. لا أحد يهتم. لحالي. فهم يتناولون الأكل و أنا أتلوى من الجوع أمامهم و لا أحد منهم يعطيني و لو لقمة. ولما بدأت أتعافى و أسترجع قوتي لاحظت أن الجميع صار يتجنبني، بل يتهامسون فيما بينهم بأسرار لا أعلم حول ماذا.. وفي أحد أيام الأحد استدرجوني حتى خرجت لأتمشي جنب البحر قليلا. وحين عدت وجدت قفل الباب قد تغير. بل هناك ساكن جديد. أما أسرتي فقد رحلت إلى أين؟ لست ادري.. علمت من أحد أفراد عائلة زوجتي أنهم طاروا إلى إيطاليا بعدما باعوا كل شيء الشركة و الفيلا مفروشة ».
حاولت تفسير ما حصل لهذا الرجل الذي خانه أقرب الناس إليه، ولكن هول الصدمة شل تفكيري... ووردتني بعض ذكريات الطفولة حين كان النوري يحكي لي معاناة كل الأسرة مع جبروت هذا الأب المحطم . وتذكرت قول الله سبحانه وتعالى مخاطبا رسولنا عليه أفضل الصلاة والسلام :« ولو كنت فظا غليظا لانفظوا من حولك. » صدق الله العظيم..
كان قد مر على هذا اللقاء حوالي شهرين،. وبدات نفسيتي تتعافي من مخلفاته. و إذا بي أصادف على شبكة التواصل الإجتماعي عائلة، تعرفت فيها على النوري و أخيه، وهما بستنجدان بالسلطات لمساعدتهما على العودة إلى أرض الوطن. و انقادهم من الجائحة التى تعصف بالعالم..
فقلت في نفسي : ما أطيبك يا وطني و ما أعظمك!. لا تتخلى عن أبنائك و لو تخلوا عنك.
انتهت.
عمر بنحيدي 2020 /3/31.
تعليقات
إرسال تعليق